لقد مرَّ وقت طويل غبت فيه عن الكتابة. سنوات قضيتها في مغامرة شيقة مع
البحر، وها أنا أعود اليوم لأسرد حكايتي أنا والبحر...
لطالما أردت أن اكتشف ما يدور في هذه المساحة الزرقاء الشاسعة، كنت دائما أسير
بحذر شديد في تلك المسافة التي يلتقي بها الماء البارد بحبيبات الرمل الساخنة
ليمنح كل منهما جزء من خاصية الآخر ليكونوا مساحة متناغمة. كان يريحني هذا الاتزان
ويشعرني بالأمان. انظر بالأفق لأسمع أحاديث نفسي عن شغفي في اكتشاف ما يدور
هناك... وما ان ارفع قدمي لأتقدم نحو ذلك العالم المبهم حتى تخيفني هيمنة الماء
البارد، رغم انه يغريني بدفئه السطحي الذي
استعاره من أشعة الشمس، يخيفني عدم ثباته ،عكس الاتزان الذي اشعر به في مكاني. لأعود
وانزل قدمي...
في إحدى المرات، طال وقوفي المتردد ليختل توازني المستند على قدم واحدة،
متزامناً مع هبوب ريح حركت الأمواج بقوة لتقذفني إلى الداخل. ذعرت، ارتجفت وصرخت إلى
أن هدأت الرياح وهدأت ومعها الأمواج...
ظل الارتباك في داخلي، ولكني بدأت
اعتاد على لفحات الأمواج وهي تلامس جسدي، ليعلق على جلدي ملح البحر لأصبح جزء
منه...
مع كل هبه ريح، وحركة عنيفة للأمواج، يعود القلق والارتباك ليعترياني، ثم
يهدأني ملمس الماء المالح على جسدي، فتكبر قدرتي كل مرة على مواجهة الأمواج القوية
التي تبين لي أنها ارحم من تلك الأمواج الهادئة التي أحببتها، والتي كانت تخدعني
وتدفعني للأعماق دون درايتي، أثناء انشغالي في مراقبة منظر انحناء الشمس
الجبارة لتلقي تحية للبحر بإذلال، ثم
تختفي كأنها تنسحب من المعركة مهزومة أمام البحر. انتهز هذه اللحظات، لا لاستمتاعي
بجمالية منظر الغروب في أفق البحر فحسب، بل لاني كنت انتهز الفرصة لأستطيع النظر
مباشرةً الىها بعد أن كانت تحتمي بأشعتها الحارقة لتمنعني من النظر اليها مباشرة
وتسفع جلدي في لؤم وتأنيب حتى اكتسب لونا آخر.
وما ان يحل الصباح حتى
تعود مدككة بالسلاح مستعدة لملحمة جديدة. تطل لترسل أشعتها على الشاطئ فينعكس بريق
حبيبات الرمل الذهبية بصورة مدهشه، لتلفت نظري ببعدي عن اليابسة حيث يمكن السير
باستقرار ، الركض، وزراعة الحبوب...
فعندها احاول الرجوع
لتبدأ معركة الشمس وأشعتها والبحر وأمواجه وأنا بينهما فهذا يُمَلّح جلدي وتلك
تسفعه، طالت المعركة حتى نضجت من الملح كالخيار المكبوس، ومن التسفع كفاكهة
استوائية.
وها أنا أعود إلى الشاطئ،"مِستويّة"
ومحملة بالكثير من التجارب والمعلومات ولكن لست واثقة من هويتي بعد الملح الذي
يغطيني ولون جلدي الغريب...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق