ابتسم ولمعت عيناه الواسعتان فرحا حين رآه يقبل ... انه صديقه الذي يصطحبه يومياً في نزهة، فهو طفل صغير لا يستطيع التجول وحده دون مرافق بالغ.
ككل يوم ... يمسك يده الصغيرة بحنية ويسيران نحو الحديقة العامة حيث يمضي الطفل اجمل ساعات نهاره في الركض خلف الفراشات الملونة والقفز هنا وهناك... وبعد ان تمضي الساعات المخصصه بالنزهة، وحين يكون الطفل قد انهكه التعب. يعودان ادراجهما.
في طريق العودة يمران بجانب دكاكين الحلوى التي تجدها كل بضع خطوات . فيقف الطفل لوقت ليس بالقليل يحدق في الحلويات المعروضة خلف الزجاج اللامع، يسيل لعابه حين يرى الزبائن في الدكان -الذين غالبيتهم من الاطفال- وهم يستمتعون ويتلذذون في التهام اصناف الحلوى اللذيذة ... وتبدأ احلام اليقظة... فيتخيل الطفل نفسه بين هؤلاء الاطفال ويتخيل طعم الحلوى اللذيذ .. لكن يوقظه صوت صديقه مذكرا اياه بموعد الذهاب الى البيت حيث تنتظره امه
حين يعود للمنزل ، لا تترك الساعات التي قضاها في اللعب اثرا في نفسه اكثر من أثر مشهد دكاكين الحلوى . فهو دائم الحديث مع اخوته عن اصناف الحلوى التي رآها . كان يتمنى لو يستطيع الدخول لاحدى هذه الدكاكين لكن الابواب كانت مغلقة بحيث لا يستطيع طفل في طوله ان يفتحه. بالاضافة الى عدم وجود المال معه..
في احد الايام، في طريق العودة من الحديقة مع صديقه. ، وقف الصديق واشار بيده للطفل مبتسما الى احدى الدكاكين التي كان بابها مفتوحا وكانوا يقدمون الحلوى مجانا لمناسبة ما... فركض الطفل نحو الدكان وهو في غاية الفرح...
في الداخل ..بدأ الصديق بالقاء المواعظ للطفل حول دخوله الدكان وتناوله الحلوى ... لكن امام المغريات لم يستطع الطفل التوقف ،وكيف يتوقف وهو كان يحلم بذلك طوال الوقت!! كيف يتوقف، وهو كلما نظر حوله رأى صنفا جديدا ليتذوقه.
الان... اصبح الطفل يذهب يوميا الى دكان الحلوى، حتى بدون رفقة صديقه. مع الايام وبسبب تناوله كمية كبيرة من الحلوى واجه الطفل مشاكل صحية من سوء تغذية ومشاكل اسنان... بدأ الجميع بلوم الطفل وتحميله المسؤولية كاملة لما حدث له...
ما رأيكم بهذه القصة ؟؟ هل فعلا الطفل هو المسؤول الوحيد لما جرى له؟؟ ما هي مسؤولية الصديق البالغ؟ الام؟ دكان الحلوى؟
ليست هذه مجرد قصة لطلاب المدرسة الابتدائية.... انها ليست سوى تمثيل بسيط لواقع نعيشه.. ليست مجرد قصة عن طفل ، ام، صديق، حلوى ، دكان ... انما هي قصة شبابنا ، مجتمعنا، والاعلام، الفن المتمثل في يومنا هذا بالغناء ، وبرامج الهواة
لا تختلف قصة الطفل عن قصة شاب في مقتبل عمره يمضي وقتا يوميا ليس بالقصير متسمرا امام شاشة التلفاز في جولة بين القنوات الفضائية فيصادف في جولته الكثير من القنوات الغنائية والترفيهية التي باتت تشكل نسبة كبيرة من كافة القنوات ( في احدى الايام قررت ان احصي عدد القنوات التي تختص بعرض " الاغاني" و "الفيديو كليبات فوصلت بدون مبالغة الى ما فوق ال 40 قناة هذا بدون القنوات المختصة بالدردشة وغيرها من الترفية السطحي وطبعا في كل يوم هناك وليدة جديدة تنضم لهذه العائلة) هذه القنوات التي تحاكي غريزة الشباب المراهقين وتترك اثر في نفسهم اكثر مما يتركه اي برنامج ثقافي -جاف -اخر
حتى في القنوات العادية ، معظم البرامج حتى الاجتماعية الثقافية منها ا تدخل الغناء، ونجوم الغناء كنعصر من عناصرها . فيدو نجوم الغناء في نظر الشباب المثل الاعلى : فهم يملكون الشهرة والاضواء التي يطمح كل شاب وفتاه في جيل المراهقة بالحصول عليها، والشباب باتو يعرفون عن هؤلاء الاشخاص اكثر من معرفتهم باقربائهم فاذا تحرك الفنان من مكان لاخر يعتبر خبر مهم ، وخبر زواج الفنانة فلانة اهم من خبر زيارة الرئيس الفلاني للدولة بهدف عقد اتفاقية. وغير ذلك يظهر النجوم بصورة المثل الاعلى والثقافة العالية لدى ظهورهم في برامج ثقافية واجتماعية لمناقشة الموضوع المطروح...دائما تساءلت ما علاقة الفنان الفلاني حتى يستضيفوه لمناقشة قضية الايتام مثلا . اليس من الجدير استضافة مدير ملجأ ناجح للايتام؟؟ ودائما كنت شبه متأكدة ان ضيوف الشرف هؤلاء قاموا بتحضير كل جملة وكلمة قالوها بالاتفاق مع معد البرنامج حتى يظهروا بهذه الصورة الرائعة...
في كل مكان نرى الفيديوكليب والاغاني ..ونرى بين الفينة والاخرى ظهور اشخاص جدد الى هذه الفئة من الشباب . ونرى من جهة اخرى الهجوم على هذه الشباب.... ونرى .. ايضا... تقريبا في كل قناة تلفزيونية اعلان عن بدأ التسجيل لبرنامج لتخريج "الهواة" هذا الباب الذي ينقلهم الى عالم الشهرة .
وبعد ان يتورط الشباب ويتنازل بعضهم عن مبادئه في سبيل الحصول على كل ما حلم به يكتشف ان اكل الحلوى ليس سوى حلوة الطعم في البداية مضرة بالجسم.
اعود واكرر الاسئلة التي سألتها سابقا... هل الطفل هو المسؤول الوحيد؟؟ ما هي مسؤولية الام .. الم تكن تستطيع منع ابنها من الذهاب؟؟ ماذا عن الصديق الذي يعتبر بالغ؟ الم يكن هو من رافق الطفل؟ الم يكن هو من اشار الى الدكان؟؟ ماذا عن الدكان نفسه؟؟ اليس من المبالغ فيه وجود هذا العدد الكبير من دكاكين الحلوى التي ربما فاقت المخابز؟..